عنف وسياسة وانتخابات

رواية عاشرة لتوني موريسون عن آثام العنصرية في أميركا في الخمسينيات

عنف وسياسة وانتخابات


   
الطيب بشير
الروائية الأميركية الزنجية توني موريسون، وقد بلغت الواحدة والثمانين من العمر، تعد نجمة في عالم الأدب في بلادها، بل إن الاوساط الثقافية الأميركية والغربية عموما تطلق عليها صفة: “الروائية الأسطورة” لما لها من اشعاع فكري ووزن ايضا في المجال الاجتماعي والسياسي. موريسون الحاصلة على جائزة نوبل للآداب نشرت هذه الأيام رواية جديدة موضوعها العنصرية في الولايات الأميركية في فترة الخمسينيات من القرن الماضي، بعنوان HOME (بيت أو وطن).
والروائية الشهيرة التي قلّدها الرئيس باراك أوباما مؤخرا ميدالية “الحريّة” لم تعد بحكم تقدمها في السن تخرج من بيتها الكائن في إحدى ضواحي مدينة نيويورك، ولكنها لم تفقد شيئا من حيويتها الفكرية، وهي في روايتها الجديدة، والتي ترجمت الى اللغة الفرنسية عرّت صورة أميركا العنصرية في الخمسينيات من القرن الماضي، وكشفت عن الوجه القبيح للولايات المتحدة في تلك الفترة من تاريخها، وهي صورة مختلفة تماما عن صورة “البطاقة البريدية” التي يريد الأميركيون تسويقها عبر أفلامهم وكتبهم. وتؤكد الروائية أن أولئك أرادوا تسويق “الحلوى” عند حديثهم عن الزمن الجميل.
والرواية تحكي قصة شاب واخته، وهما من السود الأميركيين، ينتميان الى عائلة معوزة، وتعرضت الى العنف العنصري من البيض، ما خلف جروحا نفسية لا تندمل في أعماق كل فرد فيها.

وبطل الرواية “فرانك” شارك في حرب كوريا، ولكن عند عودته عانى كثيرا عنصرية مقيتة باعتباره من السود، والروائية أرادت من خلال سرد قصة أخوين اثنين تصوير فترة كاملة في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية المعاصر، وتؤكد توني موريسون ان السود في الخمسينيات كانوا يتسولون في الشوارع ويموتون اغتيالاً أمام البيض في شوارع المدن دون أن تحرك تلك المشاهد مشاعر البيض. مضيفة في تعليق لها على روايتها ان الأسود الأميركي كان منبوذاً محتقراً، حتى أنه من الصعب عندما ينتقل من مدينة الى اخرى لقضاء شأن من الشؤون أن يجد غرفة في فندق يقضي بها ليلة أو ليلتين، فالفنادق لا تقبل تأجير غرف للسود، ولذلك فإنه غالبا ما يلتجئ المواطن الأميركي الأسود عند سفره إلى الكنيسة ليقضي بها ليلته، والا لبقي في العراء.
وعنوان الرواية “هوم” حافظ عليه المترجم الفرنسي لما تكتنزه الكلمة من رمز، فالبطل وبعد خوضه الحرب الكورية في صفوف الجيش الأميركي عاد الى وكره في ولاية “اتلانتا” بحثا عن الدفء العائلي الذي افتقده طيلة فترة انضمامه الى الجيش، ولكنه اصطدم بمظاهر العنصرية المقيتة، وأصابه الإحباط وتملكه الشعور بخيبة الأمل في بلاده التي كان من الممكن ان يموت خلال انضمامه إلى الجيش من أجل الدفاع عن قيمها.
وهذه الرواية لتوني موريسون هي العاشرة في انتاجها الأدبي، وهي اقصر رواية أصدرتها، إذ لم يتجاوز عدد صفحاتها المائة و50 صفحة فقط، في حين ان رواياتها التسع السابقة هي روايات مطولة، وجاءت الرواية الجديدة: “هوم” في ستة عشر فصلاً، واجمع النقاد على ان الفصل الأخير كان اشبه ـ في لغته وصوره وتعابيره ـ بقصيدة شعرية. وتعترف موريسون بأنها تعمدت أن يكون حجم روايتها هذه أقل من رواياتها السابقة، وهي تقول إنها عند سردها في فصول الرواية لوقائع فترة الخمسينيات من القرن الماضي لم تقف كثيرا عند الجزئيات وهي كثيرة، ولم ترغب في وصف مستفيض لشخصيات الرواية.
ولاحظ النقاد أن توني موريسون غالبا ما تكون بطلة رواياتها إمرأة، إلا أنها في روايتها العاشرة هذه اختارت أن يكون شابا أسود... وهي تروي عبر أحداث متتالية، قصّة معاناته من أجل فرض ذاته في مجتمع لا يعترف به.
وفي سياق آخر لا تخفي موريسون أنها ساندت بقوة ترشح باراك أوباما للرئاسة، وهي تقول إن شريحة كبيرة من الأميركيين كانوا معترضين على انتخابه فقط لأنه أسود، بل وتؤكد أن هناك من خطط لاغتياله.
وقالت موريسون، وهي صوت يحسب له ألف حساب في اميركا، اعتبارا لمكانتها الادبية والاجتماعية، إنها متأكدة بأنه سيقع اعادة انتحاب باراك اوباما لولاية ثانية كرئيس للولايات المتحدة، مشيرة إلى ان أوباما الذي انخفضت شعبيته كثيرا بسبب الهجوم الشرس الذي يتعرض له كل يوم، والذي يقع تغليفه بأسباب سياسية واجتماعية.. لكن السبب الحقيقي لهذا الهجوم بحسب رأيها، أيعود إلى لون بشرته، وبالتالي فإن العنصرية ضد السود في اميركا لاتزال متجذرة.
وقد وصف بعض النقاد رواية “هوم” بأنها “درة”، والقصة تدور أحداثها في ولاية “جورجيا” الاميركية. وكانت الروائية وفية لأسلوبها القوي والسهل الممتنع في سرد الاحداث ووصف الاشخاص. ومنها ما أبرزته عن امرأة سوداء استعملها طبيب جراح من البيض دون ان يعلمها كـ”فأر مخبر”، وأجرى عليها تجارب يريد التثبت من مدى نجاحها على الانسان.
ولم يخف بعض النقاد ان الروائية الأميركية العملاقة انما اصبحت تكرر نفسها بالتركيز دائما في كل رواياتها الأخيرة على هذه مسألة العنصرية والجراح التي لم تندمل إلى اليوم في نفسية المواطن الأسود.
والبطل في “هوم” يجتر عبر كامل مراحل الرواية جرحا قديما يعود الى فترة طفولته، لما كان في الرابعة من عمره، عندما قدم رجال ملثمون من البيض وطردوا اهله عنوة من منزلهم، وعندما تشبث رجل مسن بالبقاء، تم قتله بوحشية امام اعين بقية افراد الأسرة، وهي الفترة التي انتشرت فيها المجموعة العنصرية المعروفة “كلوكس كلان” والتي انتقمت انتقاماً شرساً من السود.

0 comments:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More